المظاهر النفسية للثقافة والطابع القومي للشخصية

ينطوي البعد النفسي للثقافة على أهمية كبيرة تتجلى في تشابه استجابات الأفراد للمؤثرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تبدو واضحة في تتالي الأحداث الناجمة عن تفاعل مجموعتين كبيرتين من العوامل، تتمثل الأولى في سعي أبناء المجتمع نحو تلبية حاجاتهم الأساسية وتحقيق رغباتهم تبعاً لطبيعة الشروط التي يعيشونها في المجالات المتعددة لحياتهم، بينما تظهر المجموعة الثانية من العوامل في عمليات التواصل التي يمارسها أفراد المجتمع بعضهم مع بعض من جهة، ومع المجتمعات الأخرى من جهة ثانية، بالإضافة إلى أشكال تفاعلهم مع الظروف الطبيعية والبيئية السائدة.
وفي الوقت الذي يعد فيه تشابه استجابات الأفراد في المجتمع الواحد لهذه المؤثرات دليلاً على وحدة البناء الثقافي على مستوى المجتمع، يدل اختلاف الاستجابات على تنوع الخصائص النفسية المؤثرة في سلوكهم وأنماط تفكيرهم، وغالباً ما تترتب على ذلك مشكلة العلاقة بين الأبعاد النفسية لشخصية الأفراد، التي تنتجها خصوصية التجارب التي يعيشونها، والبناء الاجتماعي للثقافة الذي يحدد أشكال استجاب المجتمع بصورة عامة للمؤثرات المحيطة به، ويحدد أيضاً مستوى النجاح أو الفشل في عمليات التفاعل المشار إليها تبعاً لمستوى التوافق في الاستجابات وتشابهها.
وتأخذ استجابة الأفراد للمؤثرات المحيطة بهم أشكالاً عديدة تراوح بين التطابق الكلي أحياناً، كما هو الحال في المجتمعات ذات الطابع العشائري والقبلي شديدة التماسك عند تعرضها لخطر يهددها من الخارج، إذ يندفع أفرادها بقوة للدفاع عن كيانهم ووجودهم الاجتماعي، وبين التنافر المطلق الذي يدفع الأفراد إلى اتخاذ مواقف مختلفة ومتباينة تجاه الأخطار التي تهددهم، فتظهر ملامح التناقض حول كيفية التفاعل مع هذه الأخطار والمؤثرات الخارجية، تبعاً لاختلاف تجاربهم ومستويات تمثلهم للبعد الثقافي في شخصياتهم.

وعلى الرغم من أن الثقافة بناء كيفي يبدو أنه مستقل عن الأفراد ويؤثر فيهم، ولاسيما من خلال عمليات التنشئة غير أنه في لحظة زمنية محددة لا ينفصل عن مشاعر الناس وأحاسيسهم وعواطفهم ومعايير التفاضل السائدة بينهم، فالثقافة بمعزل عن الأفراد تنعدم تماماً، ويصبح وجودها مستحيلاً، في الوقت نفسه يؤدي غياب الثقافة إلى غياب كل أشكال التفاعل الاجتماعي، وإلى ضمور الجماعات الإنسانية بأشكالها المتعددة، وتصبح حياة الأفراد مبنية على الفردية المطلقة التي تودي بهم إلى الفناء لتناقضها مع الطبيعة الاجتماعية للإنسان.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق