الأضرار النفسية والاجتماعية للهجرة غير المشروعة

   
 تشكل الأضرار النفسية والاجتماعية للهجرات غير المشروعة في معظم دول العالم واحدة من بواعث القلق لدى المهاجرين الذين يجعلون أنفسهم عرضة للأخطار التي تهدد حياتهم نتيجة إقدامهم على مغامرات لا يعرفون أبعادها والنتائج المترتبة عليها، بالإضافة إلى كونها مصدر قلق لذويهم الذين يعيشون على أحلام عودتهم لبلادهم محملين بالغنائم والمنافع التي يمكن أن تكون سببا لتغيير شروط حياتهم الاجتماعية والمعيشية، ولكنها مشاعر مقرونة بالخوف والقلق من الأخطار التي تهدد حياة المهاجرين، وتعرضهم لمشكلات غير متوقعة في كثير من الأحيان.
     وتأتي الأضرار المجتمعية النفسية والاجتماعية والاقتصادية للهجرات غير المشروعة مختلفة في حجومها وأنواعها لارتباطها بخصوصيات الدول التي تعاني منها على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمكانية، فتجد دول عديدة في هذه الهجرات تهديداً لمصالحها المجتمعية المتنوعة، بالإضافة إلى الأبعاد الأمنية الأكثر خطورة، بينما تولي دول أخرى اهتمامها بالهجرات غير المشروعة لما يترتب عليها من التزامات قانونية وسياسية إزاء الدول المجاورة لها، ومشكلات أمنية وحدودية تسعى جاهدة للتحرر منها، بالإضافة لما يترتب على الهجرة غير المشروعة من مشكلات عديدة تمس أمنها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من جهة ثانية.
    وفي الوقت الذي تأخذ فيه الأضرار النفسية والاجتماعية أشكالا مختلفة بين البلدان بحكم اختلاف الخصوصيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية للمجتمعات، فإن حجوم هذه الأضرار تختلف أيضاً بحسب مواقع هذه المجتمعات ودرجات قربها أو بعدها عن المناطق الحدودية الفاصلة بين الدول التي تعاني من الهجرة، ففي حين تزداد هذه الأضرار وضوحا في الدول المجاورة للبحر المتوسط مثلاً، يلاحظ أنها تنخفض في البلدان البعيدة عنه على الرغم من أن هذه البلدان قد تكون هي المصدر الأساسي لهذه الهجرات، وقد تقطع قوافل التجارة غير المشروعة عشرات الآلاف من الكيلومترات في الصحراء، ويتعرض المهاجرون خلالها لأنواع مختلفة من الأخطار والأضرار، وما أن تصل بهم الأمور إلى شواطئ البحر المتوسط ويقتربوا من الدول التي يستهدفونها حتى تصبح الأخطار التي تهدد حياتهم أكبر والأضرار المتوقعة أشد بسبب ما يلاقونه من مواقف هذه الدول، وقوى الضبط الإداري والأمني التي تنتشر على امتداد حدودها.
    ويجد المهاجر غير القانوني نفسه مضطرا لتجاوز مجموعة من المراحل التي تفصله عن الهدف الذي يسعى إليه المتمثل بعملية الاستقرار في الدولة التي استقطبت اهتمامه ومشاعره وأحاسيسه، وتنطوي كل مرحلة من هذه المراحل على أشكال مختلفة من الأخطار التي تهدده، والأضرار التي يمكن أن تلحق به على المستويات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، ويمكن لهذه الأضرار أن تمتد إلى ذويه في الدولة التي خرج منها، وإلى دولته نفسها، وإلى الدول التي يمر بها، والدول التي يستهدفها، وإن كانت هذه الأضرار متباينة في حجومها، ومتعددة في أشكالها، لكنها بصورة عامة تؤدي إلى نتائج غير سارة في أغلب الحالات، أما الحالات التي يحقق فيها المهاجرون أهدافهم وغاياتهم فهي قليلة من جهة، ولا يمكن النظر إليها على أنها القاعدة في هذا المجال.
    وفي ضوء هذا التصور تأخذ الدراسة الحالية بدراسة الهجرة غير المشروعة والأضرار المترتبة عليها في سبعة فصول أساسية، يتضمن الفصل الأول شرحا لخطة البحث ومنهجه وتساؤلاته الأساسية وأهدافه، والطريقة التحليلية المستخدمة فيه، وشرحا لطريقة دراسة الحالة المعتمدة، بالإضافة إلى التعريف بمفهوم الهجرة غير المشروعة والمفاهيم القريبة منه، والدراسات السابقة التي أولت اهتمامها بموضوع البحث.
    ويقدم الفصل الثاني عرضا تحليلياً للتفسيرات العلمية الأساسية المتعلقة بالهجرات السكانية عامة، والهجرات غير المشروعة بشكل خاص، فيتناول بالمعالجة النظريات النفسية الأساسية بمداخلها العامة، والنظريات الاجتماعية بمداخل المتعددة أيضاً، كما يتضمن الفصل تحليلاً للتفسيرات الاقتصادية ذات الصلة بموضوع البحث.
    ويتناول الفصل الثالث الجذور التاريخية لظاهرة الهجرة غير المشروعة وتطوراتها اللاحقة، واختلاف التقديرات المتعلقة بحجمها، وصعوبة الوصول إلى تقديرات فعلية لمعرفة الإحصاءات المرتبطة بها، كما يأخذ الفصل بدراسة التوزع المكاني لمواقع الهجرة غير المشروعة على مستوى العالم، بالإضافة إلى تناول أشكال الهجرة غير المشروعة والطرائق المستخدمة فيها.
    ويبحث الفصل الرابع في طبيعة الأضرار النفسية الاجتماعية للهجرات غير المشروعة من خلال تحليل مجموعة من الحالات ذات الصلة بها التي تكشف عنها الدراسات السابقة والتقارير الصحفية والسكانية، وذلك من خلال أربعة محاور أساسية تتعلق بالأخطار الحياتية للمهاجرين غير القانونيين، ودور كل من الأبعاد الذاتية والموضوعية في الحوادث المؤلمة، ومظاهر المعاناة التي يعيشها المهاجرون غير القانونيين في مراكز الإيواء، ومراكز الاعتقال، وغير ذلك من أشكال المعاناة.
    ويأخذ الفصل الخامس بمعالجة مظاهر ارتباط ظاهرة الهجرة غير المشروعة بشبكات الجريمة المنظمة عامة، وبشبكات جريمة تهريب بالبشر خاصة، وشبكات الاتجار بالبشر، إذ يجد المهاجر غير القانوني نفسه في كثير من الأحيان مجبرا على التفاعل مع جهات لم تكن في حسبانه، وبسبب الشروط الصعبة التي يعيشها، يأخذ بالتعامل مع شبكات الجريمة التي تستغل ظروفه، وتدفعه للعمل معها حتى يتمكن من معالجة مشكلاته بطريقة غير قانونية أيضاً.
    كما يقدم الفصل السادس مراجعة للجهود المبذولة في مكافحة الهجرة غير المشروعة، ويأتي ذلك في أربعة محاور أساسية، يشمل الأول شرحا للجهود التي تبذلها الدول للحد من انتشار الظاهر والأضرار الناجمة عنها على المستوى المحلية من قوانين وإجراءات إدارية وتنظيمية، ويتناول الثاني الجهود المبذولة على المستوى الإقليمي، وخاصة ما يتعلق بالاتفاقيات الثنائية بين بلدين او أكثر، كما يعرض المحور الثالث للجهود المبذولة على المستوى الدولي، بما فيها الاتفاقيات الدولية، وأخيرا يتناول المحور الرابع تقييم هذه الجهود في ضوء تطورات المشكلة ومستويات القدرة على التحكم بها في الدول المعنية.
    أما الفصل السابع والأخير، فيشمل عرضا للنتائج الأساسية التي التي خلصت إليها الدراسة، واقتراحاتها العملية وذلك في أربعة محاور رئيسية، يشمل أولها معالجة للنتائج في ضوء الأطر النظرية والتحليلية التي اعتمدت عليها الدراسة، ويتناول الثاني نتائج الدراسة في ضوء تساؤلاتها الرئيسية وأهدافها، كما يأخذ المحور الثالث بتقديم الاقتراحات العملية التي انتهت إلها الدراسة، ومن ثم المحور الرابع والتوصيات الختامية للمعنيين بالظاهرة على مستوى المؤسسات الاجتماعية والثقافية والسياسية.
     وفي الوقت الذي تأخذ الدراسة بالتأكيد على أهمية الأبعاد المجتمعية للهجرة غير المشروعة والأضرار الناجمة عنها، من حيث العوامل المؤدية إليها والنتائج المرتبة عليها، فإنها تؤكد أيضا على أهمية الأبعاد الذاتية المرتبطة بالاتجاهات النفسية والاجتماعية للشباب نحو قضايا بلدانهم والبلدان الأجنبية التي يتطلعون للاندماج فيها، ذلك أن العوامل الموضوعية المتمثلة بالشروط المجتمعية لا يمكن أن تكون فاعلة إلا في سياق اتجاهات نفسية واجتماعية تتفاعل معها، ذلك أن اختزال الشباب إلى مجرد دمى تحركهم الشروط الموضوعية وتدفع بهم إلى الهجرات غير المشروعة لا يستقيم والمنطق العلمي في العلوم الاجتماعية والنفسية التي تقوم على مبدأ التفاعل بين مكونات الظاهرة، وليس على مبدأ السببية المباشرة المفسرة لها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق