القياة والعوامل المكونة لها

   
 تأتي أهمية البحث في مجال القيادة بشكل عام، والقيادة الإدارية بشكل خاص من الوضع المتميز التي باتت تشغله المؤسسات الإدارية والتنظيمات الاجتماعية والمهنية في المجتمع الحديث، وفي عمليات التغير الاجتماعي الواسع. وفي مجمل مظاهر التطور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
     وإذا كانت القيادة إلى فترة قريبة من الزمن تستحوذ على اهتمام المفكرين والباحثين لما تؤديه من دور أساسي في عملية استقطاب الناس وحشد طاقاتهم وتوظيفها لأهداف اقتصادية وسياسية واجتماعية، فإن هذه الأهمية تزداد اليوم لاعتبارين أساسيين يتصل أولهما بغلبة الطابع المؤسسي على النشاطات الاجتماعية والفعاليات السياسية والاقتصادية، من جهة، ويتعلق الثاني بالدور المتميز الذي تؤديه القيادة في تنظيمات العمل وحشد طاقات العاملين ضمن هذه المؤسسات من جهة ثانية.
     وبرغم أن تزايد الطابع التنظيمي للفعاليات المجتمعية المختلفة وقيامها على أساس القواعد والنظم الإدارية الضابطة للسلوك ضمن التنظيم الاجتماعي قد يقلل من أهمية المسألة القيادية من ناحية ضبط العوامل الداخلية في التنظيم، غير أن التحديات الصعبة التي تجابه التنظيم في تواصله مع البيئة المحيطة تجعله مطالب في كل لحظة باتخاذ القرارات التي تمكنه من عمليه التكيف وتساعده في تحقيق أهدافه التي باتت أكثر تعقيداً من تلك الأهداف التي كانت وراء يسعى إليها القادة في الماضي، الأمر الذي جعل غلبة الطابع التنظيمي والمؤسسي في الحياة الاجتماعية عاملاً أساسياً أضاف لموضوع القيادة أهمية جديدة، وجعل منها عنصراً رئيسياً من عناصر أي مشروع في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى في مجالات التربية والتعليم والتسويق وغيرها..
    وتزداد أهمية بحوث القيادة في الدول النامية بصورة عامة نظراً لضعف الطابع التنظيمي في النشاطات والفعاليات التي تقوم بها المؤسسات الإدارية، فالخصائص الشخصية التي تصف مديري المؤسسات تؤثر بشكل فعال في مسارات المؤسسة بدرجة تزيد على تأثير اللوائح والنظم المعمول بها في هذه المؤسسات، وغالباً ما يترتب على ذلك نجاح كبير في المؤسسات التي يقودها إداريون يتصفون بخصائص القيادة، في تعاني مجموعة كبيرة أخرى من الفشل بسبب غياب الصفات والخصائص القيادية المناسبة لدى الإداريين فيها.
     ويعطي هذا الواقع موضوع القيادة أهمية كبيرة فنمو الجوانب التقانية والاقتصادية والمالية للمؤسسات والتنظيمات بدون تطور مكافئ في كفاءاتها القيادية يجعل من تطورها الملحوظ عبئاً عليها أكثر منه عاملاً من عوامل نموها، ذلك أن الإدارة التي لا تتصف بالخصائص القيادية المطلوبة تسهم في امتصاص الطاقات وهدر الإمكانات وبعثرة الجهود، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع مستويات الأداء التنظيمي، بينما تستطيع الإدارة التي توصف بالخصائص القيادية من إعادة تنظيم القدرات ضمن التنظيم، وتحقيق الانسجام بين الكفاءات والمهارات، مما يعزز قدرة المؤسسات ويسهم في تحسين مستوى أدائها التنظيمي.
     وبالنظر إلى تنوع المجالات التي تظهر فيها القيادة في الحياة الاجتماعية فإن أهمية بحثها تغطي المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية والتربوية والتجارية والثقافية وغيرها الكثير، وقد أخذت نتيجة لذلك تنتشر بقوة نظريات عديدة لتفسير مظاهر القيادة وعواملها والأسباب المؤدية إليها، وراح المعنيون بالظاهرة يقدمون كل يوم نظريات جديدة وتحليلات متباينة تتقارب في وجوه وتتباعد في أخرى، وفي الوقت الذي يعتمد فيه بعضهم على دراسات تحليلية ونظرية معمقة يلاحظ أن بعهم الآخر يأخذ بتطبيق دراسات ميدانية لاختبار فرضياته ونفي أخرى. 
وفي هذا الصدد، يجد عبد الشافي محمد أبو الفضل أن الفكر الإداري المعاصر لم يستطع حتى الآن أن يهتدي لموقف موحد تجاه حقيقة نشأة القيادة وظهورها، بل يلاحظ أن التراث النظري للفكر الإداري بصورة عامة أنتج عدداً من نظريات القيادة وباتت كل واحدة منها تدعي تفسيراً لنشأة القيادة وظهورها، ويجمل أبو الفضل النظريات القيادة الأساسية، على الرغم من تباينها، في ثلاثة مداخل رئيسية، أو عامة، تنتظم فيها الغالبية العظمى من هذه النظريات، وهذه المداخل هي: مدخل السمات، ومدخل الموقف، والمدخل المشترك، أما محمود محمد علي فيضيف إلى هذه المداخل مداخل أخرى من أهمها النظرية الوظيفية، والنظرية الإلهامية، والنظرية التبادلية، والنظرية التمويلية، والنظرية المحورية. وعندما يتسع البحث ليشمل التفسيرات الاجتماعية لمفهوم القيادة يجد الباحث أمامه مجموعة أخرى من المداخل التي تأتي في مقدمتها تحليلات الكاريزما، والتحليلات الطبقية، والتحليلات الاجتماعية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق